فصل: مسألة السائل يقف بالباب فيأمر له بدرهم فيجده قد انصرف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يتصدق على ابن له صغير بصدقة فكبر الغلام ثم مات أبوه:

وسئل مالك عن الرجل يتصدق على ابن له صغير بصدقة، ويكتب له بها كتابا وتكون الصدقة في يد أبيه حتى كبر الغلام واحتلم، وبلغ مبلغ الرجال، ثم مات أبوه قال مالك: أرى ذلك يختلف إن كان حين مات أبوه رجلا قد احتك ورضي له حاله، ومثله يجوز لنفسه، فأراها للورثة، وإن كان بحال السفه، وإن كان كبيرا، ليس مثله يلي نفسه في ماله وسفهه، رأيت ذلك جائزا ورأيت أن يدع ذلك إلى السلطان يطلبه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو بين لا اختلاف فيه إن الصدقة باطلة إذا كان معلوما بالرشد، وإنها جائزة له إن كان معلوما بالسفه، وإنما الاختلاف على ما يحمل عليه إذا جهلت حاله، فالمشهور أنه محمول على السفه حتى يعلم رشده. وقد قيل: إنه محمول على الرشد حتى يعلم سفهه.
وقد مضى هذا القول مستوفى في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الحبس فلا معنى لإعادته.

.مسألة الدار يتصدق بها الرجل على الرجل:

وسئل مالك: عن الدار يتصدق بها الرجل على الرجل، أو يحبسها عليه، ويتكارها منه؟ قال: لا خير فيه، ولا أرى أن يجوز ذلك، فقلت له: يا أبا عبد الله، أرأيت لو تصدق بها عليه ثم تكاراها منه بعد ذلك، لم يكن ذلك جائزا له؟ قال: إن جاء من ذلك شيئا بينا رأيت ذلك جائزا إذا كان قد حازها الذي تصدق بها عليه، ثم تكاراها الآخر بعد ذلك، بعد أن ينقطع بها الذي تصدق بها عليه انقطاعا بينا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، إنه إذا تصدق على الرجل بالدار، أو حبسها عليه، وتمادى على سكناها أو عاد إليها عن قرب، باكتراء أو عارية أو إرفاق، حتى مات فيها، فالصدقة أو الحبس فيها باطل. وأما إذا رجع إليها بالسكنى بكراء أو إرفاق بعد أن انقطع لها بالحيازة دونه، انقطاعا بينا، السنة فيما زاد، فلا يبطل ذلك حيازته، وهذا في الأجنبي أو الولد الكبير الذي يحوز لنفسه، فأما الولد الصغير الذي يحوز له أبوه، فتبطل الصدقة برجوع الأب إلى سكنى الدار التي تصدق بها، وإن كان ذلك بعد المدة الطويلة. قال ذلك محمد بن المواز في كتابه، وهو بيّن من قول ابن القاسم، في رسم أوصى من سماع عيسى بعد هذا، فهو بين قوله حيثما وقع روايته عن مالك، وكذلك الرهن يبطل الحيازة فيه برجوعه إلى يد المرتهن، وإن كان ذلك بعد أن انقطع المرتهن بحيازته إياه انقطاعا بينا؛ لأن الحوز في الرهن آكد منه في الصدقة والحبس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وبالله التوفيق.

.مسألة العطية من بيت المال:

ومن كتاب تأخير صلاة العشاء:
قال ابن القاسم: وقال مالك: كان رجال ببلدنا هذا من أهل الفضل والعبادة، يردون العطية يعطونها، حتى إن كان بعضهم ليؤامر نفسه، يعني بذلك إن كان يرى أن له عنها غنى.
قال محمد بن رشد: يريد بالعطية التي كانوا يردونها ولا يقبلونها العطية من بيت المال. والله أعلم.
وفي قوله: حتى إن كان بعضهم ليؤامر نفسه- نظر؛ لأن الذي يرد العطية ولا يؤامر نفسه في ذلك، أزهد فيها من الذي يؤامر نفسه في أخذها أو ردها، وحتى غاية تدل على أنه أراد منهم من يرى في الزهادة والعبادة، على الذين يردونها ولا يقبلونها، فكان وجه الكلام أن يقول: حتى إن كان بعضهم لما يؤامر نفسه في قبولها فيردها، وإن كان يرى أنه لا غنى به عنها، وردهم إياها يحتمل أن يكون زهادة فيها مع جواز أخذها لهم، لا كراهية فيه، إذا كان المجبى حلالا وقسم بوجه الاجتهاد، دون أثرة ولا محاباة، وهذا نهاية في الزهد والفضل؛ لأنه يترك حقه الجائز به أخذه ويؤثر به غيره ممن يعطاه، وإن كانت به حاجة إليه. من الصنف الذين أثنى الله تعالى عليهم في قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
وإن كان المجبى حلالا ولم يعدل في قسمته فمن أهل العلم من يكره الأخذ منه، وأكثرهم يجيزه، وأما إن كان المجبى يشوبه حلال وحرام، فمن أهل العلم من يجيز الأخذ منه، وأكثرهم يكرهه، وأما إن كان المجبى حراما فمن أهل العلم من حرم الأخذ منه، وَرُوِيَ ذلك عن مالك، ومنهم من أجازه، ومنهم من كرهه وهم الأكثر.
وقد مضى في آخر سماع سحنون من كتاب الشهادات، القول في هذا المعنى مستوفى، ومضى في رسم شك في طوافه قبل هذا، استجاب ترك الرجل قبول ما وصل به. وبالله التوفيق.

.مسألة السائل يقف بالباب فيأمر له بدرهم فيجده قد انصرف:

وسئل مالك: عن السائل يقف بالباب، فيأمر له بدرهم، فيجده قد انصرف، أترى أن يسترجعه؟ قال: لا، ولكن يتصدق به، قيل له: فالكسوة، قال: كذلك يتصدق بها.
قال محمد بن رشد: زاد في هذه المسألة في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب العارية، وليس ذلك عليه بواجب، فهو يبين قوله في هذه الرواية، ومثله الرجل يلقاه الرجل من إخوانه أو أقاربه، فيسأله أن يصله، فيبعده بذلك، ثم لا يجده، أو الأجنبي يلقاه الرجل، فيسأله، فيبعده، ثم لا يجده، إلا أن أخفها الذي يعد الرجل من إخوانه أو أقاربه، ويليها الرجل الذي يعد الرجل الأجنبي، ويليها الذي يأمر للسائل بشيء دون عدة، فلا يوجد، وأشدها كلها ما قاله ابن أبي زيد أن يخرج بالصدقة إلى السائل، قال: يقبلها.
وقد مضى الكلام على ذلك في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب العارية، وبالله التوفيق.

.مسألة يتصدق على ابن له بدار غائبة فلا يقبضها حتى يموت أبوه:

وسئل مالك: عن الرجل يتصدق على ابن له حاضر معه بدار له غائبة عنه ببلاد غير بلاده، فلا يقبضها ابنه حتى يموت أبوه، أتراها له؟ قال: إن كان صغيرا أيحوز له ويليه، فإني أرى له ذلك، وإن كان كبيرا فإني لا أرى له، فقلت له: فإنه لم يفرط في الخروج، لعله كان يريد الخروج حتى مات أبوه، وقال: وكذلك أيضا لو كان غيره ممن ليس هو مثله في القرابة. وقد قال عمر بن الخطاب: إن لم يحزها فهي على الوارث، فإني أرى إن لم يحزها فهي للورثة.
قال محمد بن رشد: الدار على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها في الحيازة بخلاف الأرض؛ لأن لها حيازة، تحاز بها، فإن كانت حاضرة، فحازها الموهوب له بالقبض لها والعقد عليها، وإن لم يسكنها فهي حيازة، وإن لم يفعل ذلك حتى مات الواهب بطلت الهبة، ولا خلاف في هذا.
وأما إن كانت غائبة، فاختلف فيها على ثلاثة أقوال:
أحدها: الحيازة لا تكون فيها عاملة، إلا أن يخرج إليها فيحوزها بالقبض لها والقفل عليها قبل أن يموت الواهب، فإن مات الواهب قبل ذلك، بطلت الهبة، وإن كان الموهوب له لم يفرط في الخروج أو التوكيل وهو قوله في المدونة، وفي هذه الرواية، ومثله في كتاب ابن المواز.
والثاني: قول أشهب: إنه لم يفرط في الخروج والقبض، ولعله قد تهيأ لذلك، أو وكل فلم يخرج حتى مات الأب، فهي جائزة وإن أمكنته الحيازة ففرط حتى مات، فهي باطل.
والثالث: إنه لم يفرط فخرج قبل أن يموت الواهب، فهي حيازة وإن لم يدرك قبضها في حياته، فقبضها بعد وفاته ولا اختلاف في أنه إذا فرط في الخروج، فمات الواهب قبل أن يخرج، أو خرج قبل أن يموت، فلم يدرك أن يقبض حتى مات، من أجل أنه فرط في الخروج، فهي باطل.
وأما الأرض، فإن تصدق بها في أوان يمكن حيازتها بحرث أو زراعة أو كراء، وما أشبه ذلك، كالدار سواء إن كانت حاضرة، فلم يحزها بشيء من ذلك حتى مات المتصدق، فهي باطل، وإن كانت غائبة، فعلى الاختلاف الذي ذكرته في الدار الغائبة. وأما إن تصدق بها في أوان لا يمكنه حيازتها بحرث ولا عمل ولا كراء، فالإشهاد على الصدقة وقبول المتصدق عليه حيازة إن مات المتصدق بها قبل أوان حيازتها. وقال مطرف وأصبغ: وإن جددها الشهود وأوقفهم عليها فذلك أقوى للحيازة، وإن جددها في كتاب الصدقة، ولم يقف عليها الشهود، فذلك أيضا حوز، وهو دون الأول. وإن لم يمت المتصدق حوزها فلم يحزها بالحرث والعمل حتى يموت المتصدق فهي باطل. وفرق ابن القاسم في الحيازة بين الدار الغائبة والدار التي لا يمكن حيازتها، فقال في الدار: إن الصدقة باطل، إلا أن يخرج إليها فيحوزها بالقبض لها قبل موت المتصدق، ولم يغدره بمغيبها... وعدم في الحال على حيازتها.
وقال في رسم الأرض: إنه إن مات المتصدق بها قبل إمكان حيازتها، اكتفى بالإشهاد فيها ولم تبطل الصدقة بها.... في الحال على حيازتها، ولا فرق بينهما في المعنى، فهو اختلاف من قوله، وقد رأيت ذلك لابن زرب، وأما إن تصدق بالأرض وهي غائبة قبل إبان حيازتها، فلا يضره التراخي في الخروج إلى حيازتها إذا خرج بعد ذلك في وقت يصل قرب إمكان حيازتها بالحرث؛ لأنه لو وصل قبل إمكان حيازتها لاكتفى في حيازتها بالقول، ما لم يأت إبان حيازتها على أصله المتهدم. وهذا كله فيمن يحوز لنفسه ولو كبيرا أو أجنبي، وأما الولد الصغير فحيازة أبيه له حيازة في كل حال، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى لابنه غلاما وكتب له كتابا بذلك فمات الأب بعد ذلك بسنة:

ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق:
قال: وسئل مالك: عمن اشترى لابن له صغير في حجره غلاما وكتب له كتابا وأشهد له أنه إنما اشتراه لابنه، فمات الأب بعد ذلك بسنة، فقال الورثة للصبي: نحن ندخل عليك في هذا الغلام. قال مالك: ليس ذلك لهم وأرى إذا أشهد الأب على شرائه أنه له.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال في أنه لا دخول للورثة على الابن في الغلام الذي اشتراه، وإن لم يجزه له، وإن أخذها الأب لنفسه؛ لأن أصل شراء العبد، إنما هو للابن، فلم يهبه الأب له، فيحتاج إلى أن يحوزه له بالثمن الذي اشتراه به له. فصح له ملكه بالشراء. وقد ذهب بعض الناس إلى أن قول مالك هذا في هذه المسألة، خلاف لقول أصبغ، من روايته في سماعه الثاني الواقع بعد سماع أبي زيد في آخر الكتاب، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه لم يقل في هذه المسألة: إنه اشترى الغلام لابنه من مال ابنه؛ فإن عرف لابنه مال من وجه من الوجوه، جاز قول الأب، وكان الشيء الذي ذكر أنه اشتراه بماله وملكه بنفس الشراء، ولم يفتقر إلى حيازة الأب إياه له.
وأما إن لم يعرف لابنه مال بوجه من الوجوه، لا من إرث ولا من غيره، ثم مات الأب، فقال أصبغ: إن ذلك توليج من الأب له، يكون ميراثا بين جميع الورثة، ولا ينتفع الابن بحيازة أبيه ذلك، له، فقول أصبغ هذا ليس بخلاف لقول مالك في هذه المسألة، وإنما هو خلاف لقوله فيما مضى في رسم الشجرة، في أن الابن ينتفع بحيازة أبيه فيما ولاه أو باعه بالثمن اليسير، وإن كان لم يسم ذلك صدقة ولا هبة، وهو قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة. حكى ابن حبيب عنهما أنهما قالا: وإذا أشهد الأب أنه باع من ولده هذا الدار بكذا وكذا دينارا كانت في يديه من ميراث له، أو أعطيته أو مما يذكر، فذلك جائز، إذا ذكر لذلك سببا ووجها يعرف لحوز الصغير والكبير، دون حيازة، وإن لم يعرف ما قال، ولم يعرف للمال سبب، لم يجز ذلك على وجه البيع، ويصير بمعنى العطية فيما حيز وفيما لم يحز قالا: وكذلك إذا أشهد أن للابن عليه مائة دينار، من سبب كذا وكذا، وكذلك يعرف، فذلك جائز، وإن لم يعرف لذلك سبب فلا يجوز ذلك. قال ابن حبيب: وقال ذلك أصبغ، فقول أصبغ في الواضحة خلاف قوله هذا في سماعه من العتبية، مثل قول مطرف وابن الماجشون، ومثل قول مالك في رسم الشجرة، خلاف لقول ابن القاسم فيه من رواية عيسى في كتاب داود حسبما بيناه هناك من أن قول ابن القاسم مخالف لقول مالك، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل ينحل ولدا له عند موته فيتزوج به ابنه امرأة ويصدقها:

قال مالك، في الرجل ينحل ولدا له عند موته في مرضه، فيتزوج به ابنه امرأة ويصدقها غلة ذلك ونصيبها، أو يكون أبوه زوجها إياه، وأصدق عنه عند موته في مرضه من ماله، قال: أرى الصداق مردودا على ورثة الهالك، ولا يجوز للميت أن يعطي بعض ولده دون بعض عند موته، إلا أن يأذنوا في ذلك، وأرى صداق المرأة دينا على زوجها متى وجدته عنده أخذته به. قال مالك: ومثل ذلك الرجل، يسرق السرقة ثم يتزوج بها المرأة، ويصيبها، ثم يأتي رب السرقة، فيكون أحق بماله، وترجع المرأة على زوجها بذلك، فيكون دينا لها عليه.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف ولا كلام فيما ذكر، من أن الصداق مردود على ورثة الهالك في المسألتين جميعا، تزوج هو مما نحله أبوه في مرضه، أو زوجه أبوه في مرضه، وأصدق عنه، كما يرد ما أصدقها إذا كان مسروقا على رب السرقة، وإنما الكلام فيما ترجع به المرأة على زوجها إن كان بقيمة الصداق، الذي استحق من يدها أو بصداق مثلها، فقيل: ترجع عليه بصداق مثلها، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية، وأرى صداق المرأة دينا على زوجها، وقيل: ترجع عليه بقيمة الصداق الذي استحق من يدها، وهو ظاهر قوله في آخر المسألة، وترجع المرأة على زوجها بذلك، فالقولان قائمان من هذه الرواية، والقول الأول هو القياس، على حكم الاستحقاق في البيوع؛ لأن ما استحق من يدها هو عوض بضعها فلما فات البضع بالعقد عليه لما يوجبه من الحرمة، وجب أن يرجع بقيمته، وهو صداق المثل. وقد قيل: إنه لا يفوت بالعقد إذا استحق الصداق، وهو عرض قبل الدخول المفسد النكاح، والقول الثاني هو المشهور في المذهب، ويختلف أيضا هل يحال بينه وبين وطئها حتى يعطيها حقها، أو يتمادى على وطئها؟ في ذلك اختلاف وتفصيل.
وقد مضى بيانه مستوفى في رسم الطلاق من سماع أشهب، من كتاب النكاح، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة تصدق عن امرأته وابن لها ببعض حائط فأرادت المرأة أن تبيع حصتها:

ومن كتاب البر:
وسئل مالك: عن رجل تصدق عن امرأته وابن لها صغير، ببعض حائط، فأرادت المرأة أن تبيع حصتها، وأراد الأب أن يبيع لابنه، فقال له مالك: أحبس هو؟ قال: لا ولكنه صدقة بتلا، قال: يبيعون إن أحبوا أو يمسكون، فقيل له: إن الابن صغير في حجره، وقد أراد أن يبيع، نظرا له، أفترى على المشتري في ذلك شيئا؟ قال: لا، قيل: وهل ترى للأب أن يبيع؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها، ولا تفتقر إلى بيان. وبالله التوفيق.

.مسألة طلب لرجل منزلا يكريه إياه فقال ليس هو لي هو لابنتي:

وسئل: عن رجل طلب لرجل منزلا يكريه إياه، فقال: ليس هو لي، هو لابنتي، حتى أستشيرها في ذلك، فمات الأب، وطلبت الابنة المنزل، فأشهدوا لها من قول أبيها، قال: لا أرى ذلك ينفعها، إلا أن تكون حازت ذلك، ويكون لها على صدقتها أو هبتها شهود، وحيازة. قال أبو بكر لعائشة: لو كنت حزينة كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث. فقيل له: فلو كانت الابنة صغيرة في حجره. قال: لا أرى هذا شيئا قد يعتذر الرجل بمثل هذا لمن يريد أن يمنعه، ولا أرى ذلك بشيء، ولا يكون لصغيرة كانت أو لكبيرة، إلا أن يكون شهود على الصدقة وحوز من الكبيرة.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في أول سماع أشهب من كتاب الدعوى والصلح، مثل ما في رسم العشور وسماع عيسى منه، إن ذلك لا يوجب الشيء المقر به للمقر له، إذا لم يقصد بذلك إلى الإقرار، وإنما قصد به إلى الاعتذار، ويلزمه اليمين إن لم يكن المقر له ابنة، وادعى ذلك الشيء ملكا لنفسه قديما، يقر بذلك الإقرار، فإن نكل عن اليمين حلف المقر له واستحقه، قال ذلك أصبغ في رسم العشور المذكور، وهو مفسر لقول مالك وابن القاسم، وهذا إذا عرف الأصل المقر، وأما إن لم يعرف الأصل له، وإقراره للمقر له، وإن كان على هذا الوجه من الاعتذار، عامل على ما في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب العتق. ودليل ما في رسم العشر المذكور، وسواء على مذهب مالك قال في اعتذاره هو لفلان، وقد تصدقت به عليه، أو وهبته له، أو بعته منه، يبين ذلك ما وقع له في أول سماع أشهب بعد هذا من هذا الكتاب. وقال أصبغ: إذا قال وهبته أو تصدقت به أو بعته، فهي حقوق قد أقر بها على نفسه، يريد فيؤخذ بها إذا ادعى ذلك المقر له بغير هذا الإقرار. وقد اختلف إذا خطبت إلى رجل ابنته، فقال: قد زوجتها فلانا، فطلب ذلك المقر له، على ثلاثة أقوال: أحدها: أن النكاح يجب له طلبه بذلك القول أو بقول متقدم، وهو أحد قولي أصبغ، وإليه ذهب ابن حبيب. والثاني: الفرق بين أن يطلبه بذلك القول أو بقول متقدم، وهو قول ابن كنانة في كتاب الدعوى وقول أصبغ، وروايته عن ابن القاسم، في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح. والثالث: أنه لا شيء له، طلبه بذلك القول، أو بقول متقدم، وهو قول ابن المواز، وبالله التوفيق.

.مسألة يتصدق بماله كله لله ويتخلى منه:

ومن كتاب أوله باع غلاما:
وسئل: عن الرجل يتصدق بماله كله لله، ويتخلى منه. قال: إن كان صحيحا فلا بأس، واحتج في ذلك بقول أبي بكر حين ندب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدقة أبي بكر حين أتى بماله كله، وليس لورثته إن كانوا له أن يمنعوه هذا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن ذلك جائز للرجل إذا كان صحيحا ليس لورثته أن يمنعوه من ذلك. والأحسن للرجل أن يبقي على نفسه بعض ماله، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]. وقوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29].
وقوله: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219].. وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول»، «وقال كعب بن مالك: إن من توبتي أن أنخلع من مالي. فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك»، وروي «أن رجلا تصدق بكل شيء له في زمن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد قبلت صدقتك» فأجاز الثلث، وروي «أن رجلا أعطى ماله في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أبقيت للوارث شيئا، فليس لك ذلك ولا يصح لك أن تستوعب مالك.» «وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي لبانة بن عبد المنذر حين تاب الله عليه قال: يا رسول الله، أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأجاورك وأنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يجزيك من ذلك الثلث.» ومما يدل على الأفضل للرجل أن يبقي على نفسه بعض ماله، وأنه يكره له أن يتصدق بجميعه، أن من نذر أن يتصدق بجميع ماله، لا يلزمه عند مالك وجميع أصحابه أن يتصدق منه إلا بثلثه، لقوله «عَلَيْهِ السَّلَامُ لأبي لبانة، وقد نذر أن يتصدق بجميع ماله: يجزئك من ذلك الثلث»، وأما صدقة أبي بكر بجميع ماله فقيل: إنها كانت لاستيلاف الناس واستنقاذهم من الكفر، وذلك حينئذ واجب. قاله اللخمي وفيه نظر. وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري المتاع في الحج لبعض أهله ثم يموت:

وسئل مالك: عما يشتريه الرجل في مثل الحج وغيره من الثياب وغير ذلك، ويقول: هذا لامرأتي، وهذا لابنتي، وهذا لابني، ثم يموت، قال: أراه بين الورثة، إلا أن يشهد عند قوله وهو في يديه، ويقول: اشهدوا أن هذا لامرأتي أو لابنتي فإن أشهد بذلك لهم. والذي يبعث بالشيء إلى الرجل على مثل هذه الحال إن مات الذي بعث.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، من أنه إذا أشهد في سفره فيما اشتراه أنه لأهله، جاز ذلك لهم، وإن مات وهو في يد قبل أن يصل. ونص في هذه الرواية على الزوجة، فدل ذلك من قوله على أن ذلك جائز لمن يجوز له من أهله كولده الصغار، ولمن لا يجوز لهم منهم، كولده الكبار، والزوجة، ومن أشبههم وذلك كالنص منه على ذلك لتنظيره ذلك، بالذي يبعث بالشيء إلى الرجل على مثل هذا الحال إن مات الباعث قبل أن يصل المبعوث معه إلى المبعوث إليه، فجعل ما اشتراه في سفره، وأشهد عليه أنه لأحد من أهله فمات قبل أن يصل وهو في هذه بمنزلة ما بعت به فمات وهو بيد الرسول قبل أن يصل، ولا إشكال في مسألة الرسول؛ لأن الرسول قابض للمبعوث إليه، وحائز له عند الواهب الباعث، خلاف ما تأوله ابن القاسم على مالك من أن معنى ذلك عندي فيمن يحوز له من صغار ولده. وقع في التفسير الثالث: سألت ابن القاسم عن قول مالك في الرجل يشتري المتاع في الحج لبعض أهله ثم يموت قبل أن يبلغهم ذلك المتاع، إنه لهم ولا حيازة عليه فيه.
قلت: لم رأى ذلك مالك لهم وهو لم يبين من يده مع رسول فيكون دفعه إلى الرسول كالحوز؟ فقال: إنما محمل هذا عندنا عن قول مالك: إنه إنما أراد أن يكون اشتراه لأصاغر ولده، ولمن يلي من بناته ممن يكون جائزا عليهم، فيكون اشتراؤه إذا أشهد لهم عند الشراء، بمنزلة الهبة والعطية والصلة إذا أشهد عليها.
قال محمد بن رشد: وصار جائزا لهم، وخلاف ما رواه علي بن زياد عن مالك، من أن الإشهاد لا ينفع في ذلك إلا من تجوز عليه من ولده الصغار، وأما الولد الكبير والأجنبي، فلا يجوز إلا أن يجوزه غيره، فلم يقدره في رواية علي بن زياد عنه بكونه في السفر، وعدم من يسلمه فيه يحوز لهم، وكذلك ابن القاسم. وعذره بذلك مالك في هذه الرواية وفيما وقع له في المدونة، وذلك على ما ذكرناه من الاختلاف في رسم تأخير صلاة العشاء، وفي الرجل يتصدق على ابنه الكبير الحاضر معه بالدار الغائبة عنه فيموت قبل أن يصل الابن إليها ولم يفرط.

.مسألة له ابنان فتصدق على أحدهما بعبد وهو صغير:

ومن كتاب أوله صلى ثلاث ركعات:
وسئل مالك: عن رجل كان له ابنان، فتصدق على أحدهما بعبد وهو صغير، ثم كبر الغلام وهو في ولاية أبيه، فأعتق أبوه العبد الذي تصدق به على ابنه، وأعاض ابنه عبدا هو أدنى من ذلك العبد أو مثله. قال مالك: إن كان ذلك وهو في ولاية أبيه، فإن ذلك جائز له، وإن كان قد وَلِيَ نَفْسَهُ لم أر ذلك؛ لأنه إن شاء قال لا أجيز ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا على أصله، وما يأتي له في رسم استأذن من سماع عيسى بعد هذا من أن عتق الرجل عند ابنه الصغير، يجوز إن كان له مال، وتكون قيمته له عليه، ولا يجوز له عتق عبد ابنه الكبير، فإذا أعتق عبد ابنه الصغير، الذي وهبه إياه وأعاضه عبدا آخر مثله أو أرفع منه، مضى ذلك وجاز. وأما إن كان العبد الذي أعاضه أدنى منه، فظاهر الرواية أن ذلك جائز على ابنه، والقياس أن يكون له على أبيه تمام قيمته إن كان له مال، وإن لم يكن له على أبيه تمام قيمته إن كان له مال، وإن لم يكن له مال، ورق منه للابن ما راد على قيمة العبد الذي أعاضه به، إلا أن يطول ذلك على ما قال في الرجل يعتق عبد ابنه الصغير، ولا مال له؛ لأن العبد قد وجب له بصدقة أبيه عليه وحيازته له، إلا أن يفرق في هذا بين حيازة الأب لابنه الصغير، وحيازة الكبير لنفسه، فيقال: إن الرجل إذا وهب لابنه الصغير عبدا ثم أعتقه، فعتقه جائز، كان له مال أو لم يكن، بخلاف إذا أعتق عبده الذي صار له بميراث أو شراء أو هبة من غرة، فهو ظاهر قوله في هذه الرواية.
وقوله: وإن كان قد ولي نفسه لم أر ذلك؛ لأنه إن شاء قال: لا أجيز ذلك- معناه: إن كان قد قبضه وحازه على ابنه، وأما إن كان أعتقه قبل أن يقبضه، فعتقه جائز له، عوضه منه بغيره أو لم يعوضه، على ما قاله في المدونة وغيرها ولا خلاف فيه.

.مسألة أخذا صدقة ليقسماها فوجدا مدبرة هل ترى أن يخرجا منها في مدبرة فيعتقاها:

وسئل: فقيل له: إن ابن أبي حازم وأبا صخرة وضع عندهما الوالي صدقة ليقسماها، فوجدا مدبرة، هل ترى أن يخرجا منها في مدبرة فيعتقاها؟
قال محمد بن رشد: خلاف مذهبه في المدونة من أنه لا يباع المدبر ممن يعتقه، وإنما الذي يجوز أن يأخذ سيده فيه مالا على أن يعتقه، فيكون ولاؤه له، فلا يجوز على مذهبه في المدونة للرجل أن يشتري مدبرا فيعتقه من زكاته، وقد اختلف إن فعل، هل يجزيه أم لا؟ فيجزيه على القول بأن من اشترى مدبرا فأعتقه لا يرد ولا يجزيه، على القول بأن من اشترى مدبرا فأعتقه يرد، والقولان في نوازل أصبغ من كتاب زكاة العين، فيلزم على قياس هذا في اللذين جعل الوالي عندهما صدقة ليقسماها ألا يخرجا منها في مدبرة، فيعتقاها فإن فعلا ضمانها إن فات المدبر ولم يوجد على القول بأنه يرد ولم يلزمهما شيء على القول بأنه لا يرد، ويحتمل أن يكون معنى ما في هذه الرواية، أنهما وجدا مدبرة تباع في موضع يجوز بيعها فيه، فلا يكون على هذا التأويل قول مالك هذا، خلاف لما في المدونة وغيرها، بالله التوفيق.